أثناء كأس العالم 1998 الذي أقيم في فرنسا التقطت عدسات «The Sun» البريطانية صورة لنجم منتخب إنجلترا ديڤيد بيكهام وهو يسير رفقة خطيبته ڤيكتوريا مرتدياً قطعة من القماش تشبه التنورة أعلى سرواله. وقتئذ قامت الدنيا ولم تقعد؛ كيف لشخصية تُمثل أحد أكثر النشاطات ذكورية أن ترتدي رداء نسوياً مثل ذلك بلا اكتراث أمام أنظار الجميع؟
في المقابل، كان بيكس بهذه الإطلالة التي أثارت الجدل يضع حجر الأساس الذي ستتحول على إثره علاقة كرة القدم بعالم الموضة بعد سنوات طويلة من الجفاء. فما القصة؟
في أكتوبر 2023 نشرت «الجارديان» البريطانية تقريراً بعنوان «الملاءمة المثالية: كيف أصبحت الرياضة والأزياء فريق الأحلام؟». يستعرض التقرير السبب الرئيسي خلف اهتمام دور الأزياء الفخمة بالارتباط بأندية ونجوم الرياضة، إذ وصلت أرباح هذا التحالف في السنة ذاتها من خلال التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي فقط إلى نحو ما يقدر بـ78 مليون دولار.
مع الوقت أدرك مصممو الأزياء ضرورة البحث عن موطئ قدم داخل صناعة كرة القدم الأوروبية التي تشير التقديرات إلى بلوغ قيمتها ما يدنو من 28 مليار دولار، وذلك ما لن يحدث إلا بمحاولة جذب نجوم وأندية النخبة، إذ ترى العلامات التجارية في صناعة كرة القدم التي يبلغ عدد متابعيها خمسة مليارات إنسان كعكة تستحق المجازفة، بينما الأندية واللاعبون مجرد أداة تسويق لجمهور جاهز بشكل مسبق.
«لاعبو كرة القدم يمكنهم الآن التأثير على الجميع. هم أكثر الأشخاص متابعة على منصات التواصل، تقدسهم الجماهير بطريقة تختلف بشكل ما عن علاقة الجماهير بنجوم السينما والموسيقى».
- جاري أرمسترونغ، محرر مجلة «Zero Circle Eight» المتخصصة في الموضة.
لأنها علاقة مشتركة، بدأت الأندية في استغلال رغبة العلامات التجارية الرائجة في الحصول على وصول لقواعدها الجماهيرية الضخمة أفضل استغلال، عبر تحويل النادي لعلامة تجارية في حد ذاته، يُفترض أن ترتبط في أذهان الناس بصورة رائعة، وأقصر طريق لذلك هو تصميم قميص يريد الجميع ارتداءه، بغض النظر عن ارتباط المشجع بالنادي من عدمه. إذ فرض دخول أقمصة كرة القدم لعالم الموضة تغيراً مهماً، وهو اهتمام شركات الأزياء الفخمة بتصميم شيء تقليدي مثل قميص كرة قدم، مع إضفاء لمسة جمالية تدفع أي شخص مهما كانت ميوله أو انتماءاته لامتلاكه.
من جانبه، أصبح لاعب كرة القدم يسعى لنحت علامته التجارية الخاصة التي تضمن له الوجود مادياً وجماهيرياً حتى بعد انتهاء مشواره الكروي، ومن هنا ظهرت وظيفة «المصمم الرياضي»، أو الخبير المسؤول عما يرتديه لاعب كرة القدم من أجل وضعه على رادار العلامات التجارية الفخمة على أمل إبرام صفقة مربحة لجميع الأطراف في النهاية.
ما فعله بيكهام في التسعينيات كان سابقاً لعصره في طريقة تعامله بتجاهلٍ تامٍ مع الصورة النمطية له داخل مجتمع مفرط الذكورة مثل مجتمع كرة القدم. لكن حتى نفهم التحوُّل ما بين نظرة الجمهور لبيكهام قبل عقدين والتسامح مع عرض هكتور بلرين لتصميمات «Louis Vuitton» الجريئة في 2019، أو اختفاء قميص ميسي الوردي مع إنتر ميامي من الأسواق بعد وقت قصير من إصداره علينا أولاً أن نفهم الأبعاد الاجتماعية للعبة مثل كرة القدم.
في تقرير بعنوان «لاعب كرة القدم والموضة: كيف أصبحت صورة اللاعب أكثر أهمية من أي وقت مضى؟» يشرح جيمس ماك نيكولاس، محرر «ذي أثليتيك» العلاقة المعقدة بين كرة القدم وعالم الموضة باختصار قائلاً، «كرة القدم والأزياء لم يكونا على وفاق دائم».
حتى مطلع الألفية، كان عالم كرة القدم شديد الذكورة ينظر لاهتمام لاعب كرة القدم بالموضة بريبة وشك؛ لأن تفكير اللاعب في مظهره كان يعني بداهة أنه لا يمنح الاهتمام الكامل لمصدر رزقه، ناهيك عن الاتهامات بالغرور والتخنُّث.
في 1996، ظهر كل عناصر فريق ليفربول على ملعب ويمبلي قبل انطلاق مباراة نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي ضد مانشستر يونايتد مرتدين بذلات بيضاء وربطات عنق حمراء من تصميم «Armani». رأى أليكس فيرجسون في هذا الاهتمام المبالغ به بمظهر اللاعبين سبباً كافياً لخسارة الفريق، إذ أخبر مساعده قبل بداية المباراة أنها سوف تنتهي بفوز مانشستر يونايتد.
بينما افتخر برايان كلوف ذات مرة برفضه التعاقد مع أحد اللاعبين لأنه حضر لتوقيع عقده مرتدياً حذاء «رعاة البقر».
يشرح نيدوم أونوا لاعب مانشستر سيتي السابق علاقة لاعبي الدوري الإنجليزي بالموضة خلال هذه الحقبة بأنها فترة من محاولة تجنُّب الأحكام السلبية. في ذلك الوقت، طبقاً لأونوا، كانت ثقافة التنمُّر حاضرة بقوة، من ثَم حرص اللاعبون على أن يظهروا داخل غرفة الملابس بمظهر عادي، وتم الاتفاق ضمنياً على أن المظهر العادي هو ارتداء الملابس الرياضية وحسب.
في عصر تقوده الصوابية السياسية تحرص دور الأزياء والأندية ومن خلفهما نجوم كرة القدم على الظهور بوصفها كيانات تستوعب الجميع، بكل اختلافاتهم من ثم أصبح العادي أو المقبول، هو أن تصبح غريباً، بينما يتعرض للتنمر كل من هو عادي أو بمعنى أوضح متحفظ.
على سبيل المثال، داخل غرفة ملابس مانشستر سيتي الإنجليزي توجد فقرة مخصصة بشكل دوري لإلقاء النكات حول ما يرتديه النجم البرتغالي برناردو سيلڤا، وجريمته الوحيدة هي أنه يظهر خارج الملعب مرتدياً ملابس رجل بالغ عادي، أو بحسب تعبير أحد زملائه السابقين، «كجد يبلغ 50 عاماً».
يعزو توم إيڤرست المدير الإبداعي بمجلة «Gaffer» المتخصصة في الموضة أن التحول الذي حل على طريقة تعامل لاعبي كرة القدم مع مساحة الأزياء يعود في الأساس للتأثر بالنموذج الأمريكي، إذ يتخطى الرياضي كونه رياضياً بل يمتد تأثيره لخارج الملعب مما يجعله مؤثراً في علاقة الجماهير بالعلامات التجارية التي يمثلها.
ولأن اللاعب يبحث عن شراكة ضخمة، فالتألق داخل الملعب لم يعد كافياً داخل الملعب، لكن خارجه أيضاً، وهذا التألق يعني بداهةً وفقاً للاتجاه الرائج أكثر اختلافاً عن كل من حوله، مهما بدا هذا الاختلاف مستفزاً لجماهير كرة القدم التي نشأت على مشاهدة المدرسة القديمة من لاعبي كرة القدم.
في الواقع، ربما لم يعد المشجعون القدامى يشعرون بالألفة تجاه نجوم كرة القدم الحاليين، لكن ليس لأنهم أصبحوا أقل ذكورية من ذي قبل، بل فقط لأن نجوم كرة القدم في هذه الحقبة يستهدفون فئة تفضل كل من هو مختلف، تماماً مثلما كان مشجع التسعينيات يفضل نموذج روي كين ويتنمر على تنورة بيكهام.